سورة آل عمران - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
{إِذْ قَالَ الله ياعيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ} اختلفوا في معنى التوفّي ههنا:
فقال كعب والحسن والكلبي ومطر الوراق ومحمد بن جعفر بن الزبير وابن جريج وابن زيد: معناه: إنّي قابضك.
{وَرَافِعُكَ}: من الدّنيا.
{إِلَيَّ}: من غير موت، يدلّ عليه قوله: {فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي} [المائدة: 117] أي قبضتني إلى السماء وأنا حيّ؛ لأنّ قومه إنّما تنصّروا بعد رفعه لا بعد موته. وعلى هذا القول للتوفّي تأويلان: أحدهما: إنّي رافعك إليّ وافياً لن ينالوا منك. من قولهم: توفّيت كذا واستوفيته أي أخذته تامّاً.
و الآخر: إنّي مسلّمك، من قولهم: توفيت منه كذا أي سلّمته. وقال الربيع بن أنس: معناه أنّي منيمك ورافعك إليّ من قومك، يدل عليه قوله: {وَهُوَ الذي يَتَوَفَّاكُم بالليل} [الأنعام: 60]: أي ينيمكم؛ لأنّ النوم أخو الموت، وقوله: {الله يَتَوَفَّى الأنفس حِينَ مَوْتِهَا والتي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} [الزمر: 42].
وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: إنّي مميتكم، يدلّ عليه: {قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الموت} [السجدة: 11]، وقوله: {وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ} [يونس: 46] وله على هذا القول تأويلان:
أحدهما: ما قال وهب: توفّى اللّه عيسى ثلاث ساعات من النهار ثم أحياه ورفعهُ. والآخر: ما قاله الضحّاك وجماعة من أهل المعاني: إنّ في الكلام تقديماً وتأخيراً، معناه إنّي رافعك إليّ.
{وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ}: ومتوفّيك بعد إنزالك من السماء كقوله عز وجّل: {وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى} [طه: 129]. وقال الشاعر:
ألا يا نخلةً من ذات عرق *** عليك ورحمةُ اللّهِ السّلام
أي عليك السلام ورحمة الله.
وقال آخر:
جمعت وعيباً نخوة ونميمة *** ثلاث خصال لسن من ترعوي
أي جمعت نخوة ونميمة وعيباً.
وروى أبو هريرة عن النبّي صلى الله عليه وسلم قال: «الأنبياء إخوة لعلاّت شتّى ودينهم واحد، وأنا أولى النّاس بعيسى بن مريم؛ لأنّه لم يكن بيني وبينه نبّي، وإنّه عامل على أُمّتي وخليفتي عليهم، إذا رأيتموه فاعرفوه فإنّه رجل مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الشعر كأن شعره ممطر وإن لم يصبه بلل، بين ممصّرتين يدقّ الصليب ويقتل الخنزير ويفيض المال، وليسلكنّ الروحاء حاجّاً أو معتمراً أو كلتيهما جميعاً، ويقاتل النّاس على الإسلام حتى يهلك الله في زمانه الملك كلها ويهلك الله في زمانه مسيح الضلالة الكذّاب الدجّال، ويقع في الأرض الأمنة حتى يرتع الأسود مع الإبل، والنمور مع البقر، والذئاب مع الأغنام، ويلعب الصبيان بالحيّات لا يضرّ بعضهم بعضاً، ويلبث في الأرض أربعين سنة».
وفي رواية كعب: «أربعاً وعشرين سنة، ثم يتزوج ويولد، ثم يتوفى ويصلي المسلمون عليه ويدفنونه في حجرة النبيّ صلى الله عليه وسلم».
وقيل للحسن بن الفضل: هل تجد نزول عيسى عليه السلام في القرآن.
فقال: نعم.
قوله: {وكهلاً}، وهو لم يكتهل في الدنيا، وإنّما معناه {وكهلاً} بعد نزوله من السماء.
وعن محمد بن إبراهيم أنّ أمير المؤمنين أبا جعفر حدّثه عن الآية عن ابن عباس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «كيف تهلك أمّة أنا في أوّلها وعيسى في آخرها والمهدي من أهل بيتي في أوسطها».
وقال أبو بكر محمد بن موسى الواسطي: معناه أنّي متوفّيك عن شهواتك وحطوط نفسك، ولقد أحسن فيما قال لأنّ عيسى لمّا رُفع إلى السّماء صار حاله كحال الملائكة.
{وَرَافِعُكَ إِلَيَّ}: قال البشالي والشيباني: كان عيسى على [....] فهبّت ريح فهرول عيسى عليه السلام فرفعه اللّه عز وجّل في هرولته، وعليه مدرعة من الشعر.
قال ابن عباس: ما لبس موسى إلا الصوف وما لبس عيسى إلا الشعر حتى رفع.
وقال ابن عمر: رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يتبسم في الطواف فقيل له في ذلك. فقال: استقبلني عيسى في الطواف ومعه ملكان.
وقيل: معناه رافعك بالدرجة في الجنّة ومقرّبك إلى الأكرام {وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ}: أي مخرجك من بينهم ومُنجيك منهم.
{وَجَاعِلُ الذين اتبعوك فَوْقَ الذين كَفَرُواْ إلى يَوْمِ القيامة}: قتادة والربيع والشعبي ومقاتل والكلبي: هم أهل الإسلام الذين اتّبعوا دينه وسنّته من أُمّة محمّد؛ فوالله ما اتّبعه من دعاه رباً {فَوْقَ الذين كَفَرُواْ}: ظاهرين مجاهرين بالعزة والمنعة والدليل والحجة.
الضحّاك ومحمد بن أبان: يعني الحواريّين فوق الذين كفروا، وقيل: هم الرّوم.
وقال ابن زيد: وجاعل النّصارى فوق اليهود. فليس بلد فيه أحد من النّصارى إلا وهم فوق اليهود، واليهود مستذلّون مقهورون، وعلى هذين القولين يكون معنى الإتّباع الإدّعاء والمحبة لا اتّباع الدّين والملّة.
{ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ} في الآخرة.
{فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}: من الدين وأمر عيسى عليه السلام.
{فَأَمَّا الذين كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي الدنيا}: بالقتل والسّبي والذّلّة والجزية.
{والآخرة}: بالنار.
{وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ}.
{وَأَمَّا الذين آمَنُوا وَعَمِلُواْ الصالحات فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ}: قرأ الحسن وحفص ويونس: بالياء، والباقون بالنون.
{والله لاَ يُحِبُّ الظالمين}.
{ذلك}: أي هذا الذي ذكرته.
{نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ والذكر الحكيم}.
قال النبي صلى الله عليه وسلم هو القرآن.
وقيل: هو اللوح المحفوظ، وهو معلّق بالعرش في درّة بيضاء، والحكيم: هو الحكم من الباطل.
قال مقاتل: {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءَادَمَ} الآية: وذلك أنّ وفد نجران قالوا: يا رسول اللّه مالك تشتم صاحبنا؟ قال: وما أقول؟ قالوا: تقول إنّه عبد؟ قال: أجل هو عبد اللّه ورسوله وكلمته ألقاها إلى العذراء البتول. فغضبوا وقالوا: هل رأيت إنساناً قط من غير أب؟ فإن كنت صادقاً فأرنا مثله؟ فأنزل اللّه عز وجّل {إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله} في كونه خلقاً من غير أب {كَمَثَلِ ءَادَمَ} في كونه خلقاً من غير أب ولا أم {خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ}: تم الكلام.
{ثُمَّ قَالَ لَهُ}: يعني لعيسى.
{كُن فَيَكُونُ}: يعني فكان.
{الحق مِن رَّبِّكَ}:
قال الفرّاء: رفع لخبر ابتداء مضمر يعني هو الحق أي هذا الحق. وقال أبو عبيدة: هو استئناف بعد انقضاء الكلام وخبره في قوله: {مِن رَّبِّكَ}، وقيل بإضمار فعل أي حال الحق، وإن شئت رفعته بالضمّة ونويت تقديماً وتأخيراً تقديره من ربّك الحق كقولهم: منك يدك، وإن كان مثلاً.
{فَلاَ تَكُنْ مِّن الممترين} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أُمّته لأنّه لم يكن ينهاه في أمر عيسى.
{فَمَنْ حَآجَّكَ}: خاصمك وجادلك بأمر يا محمد.
{فِيهِ}: في عيسى.
{مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ العلم}: بأنه عبد اللّه ورسوله.
{فَقُلْ تَعَالَوْاْ}: قرأ الحسن وأبو واقد الليثي وأبو السمّاك العدوي: {تعالوا} بضم اللام، وقرأ الباقون بفتحها والأصل فيه تعاليوا لأنّه تفاعلوا من العلو فاستثقلت الضّمة على الياء فسكنت ثم حذفت وبقيت اللام على محلّها وهي عين الفعل ضم فإنّه نقل حركة الياء المحذوفة التي هي لام الفعل إلى اللام.
قال الفرّاء: معنى تعال كأنّه يقول ارتفع.
{نَدْعُ}: جزم لجواب الأمر وعلامة الجزم فيه سقوط الواو.
{أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ}: وقيل: أراد نفوسهم، وقيل: أراد الأزواج.
{ثُمَّ نَبْتَهِلْ}: نتضرّع في الدّعاء. قاله ابن عباس.
مقاتل: نخلص في الدعاء.
الكلبي: نجهد ونبالغ في الدّعاء. الكسائي وأبو عبيدة: نلتعن بقول: لعن اللّه الكاذب منّا، يقال: عليه بهلة اللّه، وبهلته: أي لعنته.
قال لبيد:
في قدوم سادة من قولهم *** نظر الدهر إليهم فابتهل
{فَنَجْعَل}: عطف على قوله: نبتهل.
{لَّعْنَتَ الله}: مصدر. {عَلَى الكاذبين}: منّا ومنكم في أمر عيسى، فلمّا قرأ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هذه الآية على وفد نجران ودعاهم إلى المباهلة قالوا: حتى نرجع وننظر في أمرنا ثمّ نأتيك غداً. فخلا بعضهم ببعض، فقالوا للعاقب وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ماترى؟ فقال: واللّه يا معشر النّصارى لقد عرفتم أنّ محمداً نبيٌ مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، واللّه ما لاعن قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن نعلم ذلك لنهلكنّ. فإن رأيتم إلاّ البقاء لدينكم والإقامة على ما أنتم عليه من القول في صاحبكم فوادعوا الرّجل وانصرفوا إلى بلادكم، فأتوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وقد غدا رسول اللّه محتضناً الحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه وعلي رضي الله عنه خلفها وهو يقول لهم: إذا أنا دعوت فأَمّنوا.
فقال أسقف نجران: يا معشر النّصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا اللّه أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله، فلا تبتهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة.
فقالوا: يا أبا القاسم قد رأينا أن لا نلاعنك، وأن نتركك على دينك ونثبت على ديننا. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فإن أبيتم المباهلة فأسلموا يكُن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم. فأبوا. قال: فإنّي أُنابذكم بالحرب. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكنّا نصالحك على أن لا تغزونا ولا تُخيفنا ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي سكّة ألفاً في صفر وألفاً في رجب. فصالحهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ذلك. وقال: والذي نفسي بيده إنّ العذاب قد نزل في أهل نجران ولو تلاعنوا لمُسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل اللّه نجران وأهله حتّى الطير على الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى هلكوا. قال اللّه تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق} إلى {فَإِن تَوَلَّوْاْ}: أعرضوا عن الإيمان.
{فَإِنَّ الله عَلِيمٌ بالمفسدين}: الذّين يعبدون غير اللّه ويدعون النّاس إلى عبادة غيره.
{قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية.
قال المفسرون: قدم وفد نجران المدينة فالتقوا مع اليهود فاختصموا في إبراهيم فأتاهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد إنّا اختلفنا في إبراهيم ودينه فزعمت النصارى أنّه كان نصرانياًوهم على دينه وأولى النّاس به. وقالت اليهود: بل كان يهودياً وأنّهم على دينه وأولى النّاس به. فقال لهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين بريء من إبراهيم ودينه بل كان إبراهيم حنيفاً وأنا على دينه فأتبعوا دينه الإسلام. فقالت اليهود: يا محمد ما تريد إلا أن نتّخذك رباً كما اتخذت النصارى عيسى رباً. وقالت النصارى: واللّه يا محمد ما تريد إلا أن نقول فيك ما قالت اليهود في عزير. فأنزل اللّه تعالى {قُلْ ياأهل الكتاب تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ} عدل {بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} وكذلك كان يقولهابن مسعود قال: دعا فلان إلى السّواء أي إلى النصف، وسواء كل شيء وسطه. قال اللّه {فَرَآهُ فِي سَوَآءِ الجحيم} [الصافات: 55]، وإنّما قيل للنصف سواء لأن أعدل الامور وأفضلها أوسطها. وسواء نعت للكلمة إلا أنّه مصدر والمصادر لا تثنّى ولا تجمع ولا تؤنث. فإذا فتحت السين مدّت، وإذا كسرت أو ضُمّت قصرت. كقوله عز وجّل: {مَكَاناً سُوًى} [طه: 58]: أي مستو به ثم فسّر الكلمة فقال: {أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ}: محل (أن) رفع على إضمار هي.
قال الزجاج: محلّه رفع بمعنى أنه لا نعبد، وقيل: محله نصب بنزع حرف الصفة معناه: بأن لا نعبد إلا اللّه.
وقيل: محله خفض بدلاً من الكلمة أي تعالوا أن لا نعبد إلاّ اللّه.
{وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله}: كما فعلت اليهود والنصارى.
قال اللّه: {اتخذوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله} [التوبة: 31]. قال عكرمة: هو سجود بعضهم لبعض.
وقيل معناه: لا تطع في المعاصي أحداً، وفي الخبر من أطاع مخلوقاً في معصية اللّه فكأنّما سجد سجدة لغيره.
{فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ}: أنتم لهم {اشهدوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}: مخلصون بالتوحيد، وكتب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هذه الآية إلى قيصر وملوك الروم، «من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم..... سلام على من اتبع الهدى.
أمّا بعد.... فإنّي أدعوك إلى الإسلام أسلم تسلم. أسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فلن تملكوا إلا أربع سنين، فإن توليت فعليك إثم الاريسيين، يا أهل الكتاب {تَعَالَوْاْ إلى كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} الآية».


{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}
{ياأهل الكتاب لِمَ تُحَآجُّونَ في إِبْرَاهِيمَ}: وتزعمون أنه كان على دينكم اليهودية والنصرانية، وقد حدثت اليهودية بعد نزول التوراة، والنصرانية بعد نزول الإنجيل.
{وَمَآ أُنزِلَتِ التوراة والإنجيل إِلاَّ مِن بَعْدِهِ}: بعد مهلك إبراهيم بزمان طويل، وكان بين إبراهيم وموسى ألف سنة وبين موسى وعيسى ألفا سنة.
{أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}: بعرض حجّتكم وبطلان قولكم.
{هاأنتم}: قرأه أهل المدينة بغير همز ولا مدّ إلا بقدر خروج الألف الساكنة، وقرأ أهل مكّة مهموزاً مقصوراً على وزن هعنتم، وقرأ أهل الكوفة بالمدّ والهمز، وقرأ الباقون بالمدّ دون الهمز.
واختلفوا في أصله فقال بعضهم: أصله أنتم والهاء تنبيهاً. وقال الأخفش: أصله أأنتم فقلبت الهمزة الأولى هاء كقولهم: هرقت وأرقت.
{هؤلاء}: مبني على الكسر، وأصله أولاء فدخلت عليه هاء التنبيه، وفيه لغتان: القصر والمد، ومن العرب من يعضها.
أنشد أبو حازم:
لعمرك أنا و الأحاليف هؤلا *** لفي محنة أطفالها لم تفطم
وهؤلاء ها ههنا في موضع النداء يعني يا هؤلاء. {حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ}: يعني في أمر محمد، لأنهم كانوا يعلمونه مما يجدون من نعته في كتابهم فحاجّوا به بالباطل.
{فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ}: من حديث إبراهيم فليس في كتابكم أنّه كان يهودياً أو نصرانياً.
{والله يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}: نزّه إبراهيم عليه السلام وبرّأه من ادعائهم فقال: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً}: فالحنيف الذّي يوحّد ويحج ويُضحّي ويختن ويستقبل القبلة وهو أسهل الأديان وأحبّها إلى اللّه وأهله أكرم الخلق على الله.
{وَمَا كَانَ مِنَ المشركين} {إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه}:
قال ابن عباس: قال رؤساء اليهود: واللّه يا محمد لقد علمت أنّا أولى بدين إبراهيم منك ومن غيرك، وأنّه كان يهودياً وما بك إلاّ الحسد لنا، فأنزل اللّه هذه الآية.
روى محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف عن أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ويونس بن بكير عن محمد بن اسحاق رفعه. دخل حديث بعضهم في بعض. قالوا: لما هاجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وكان من أمر بدر ما كان اجتمعت قريش في دار الندوة، وقالوا: إنّ لنا في الذّين عند النجاشي من أصحاب محمد ثأراً بمن قتل منكم ببدر. فاجمعوا مالاً وهدوه إلى النجاشي لعلّهُ يدفع إليكم من عنده من قومكم، ولينتدب لذلك رجلان من ذوي آرائكم.
فبعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن أُبي معيط بالهدايا، الأدُم وغيره. فركبا البحر وأتيا الحبشة؛ فلمّا دخلا على النجاشي سجدا له، وسلّما عليه وقالا له: إنّ قومنا لك ناصحون شاكرون ولصلاحك محبّون، وإنّهم بعثونا إليك؛ لنحذّرك هؤلاء القوم الذّين قدموا عليك لأنّهم قوم رجل كذّاب خرج فينا فزعم أنّه رسول اللّه، ولم يبايعه أحد منّا إلا السفهاء وإنّا كنّا قد ضيّقنا عليهم الأمر.
وألجأناهم إلى شعب أرضنا لا يدخل إليهم أحد. ولا يخرج منهم أحد. قد قتلهم الجوع والعطش. فلما اشتد عليه الأمر. بعث إليك ابن عم له ليفسد عليك دينك وملكك ورعيّتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكهم. قالوا: وآية ذلك أنّهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها النّاس رغبة عن دينك وسنّتك.
قال: فدعاهم النّجاشي فلمّا حضروا صاح جعفر بالباب: يستأذن عليك حزب اللّه. فقال النّجاشي: مروا هذا الصائح فليعد كلامه. ففعل جعفر. فقال النجاشي: نعم فليدخلوا بأمان اللّه وذمّته. فنظر عمرو بن العاص إلى صاحبه. فقال: ألا تسمع كيف يدخلون بحزب اللّه وما أجابهم النجاشي. فساءهما ذلك، ثم دخلوا عليه ولم يسجدوا له.
فقال عمرو: ألا ترى إنّهم يستكبرون أن يسجدوا لك. فقال لهم النّجاشي: ما منعكم ألاّ تسجدوا لي وتحيوّني بالتحيّة التي يُحييّني بها من أتى من الآفاق. قالوا: نسجد للّه الذّي خلقك وملكك قال وإنما كان للملك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان. فبعث اللّه فينا نبياً صادقاً، وأمرنا بالتحية التي رضيها اللّه لنا. وهو السلام تحية أهل الجنّة. فعرف النّجاشي أن ذلك حق فيما جاء في التوراة والانجيل. قال: أيّكم الهاتف: يستأذن عليك حزب اللّه؟ قال جعفر: أنا. قال: تكلّم. قال: إنّك ملك من ملوك أهل الأرض ومن أهل الكتاب ولا يصلح عندك كثرة الكلام ولا الظلم، وأنا أُحبّ أن أُجيب عن أصحابي فمن هذين الرّجلين أن يتكلّم أحدُهما وينصت الآخر. فتسمع محاورتنا. فقال عمرو لجعفر: تكلّم.
فقال جعفر للنجاشي: سل هذين الرجلين. أعبيد نحن أم أحرار؟ فإن كنّا عبيداً أبقنا من أربابنا فارددنا إليهم. فقال النجاشي: أعبيد هم يا عمرو أم أحرار؟ قال: لا، بل أحرار كرام. فقال النجاشي: نجّوا من العبودية، ثم قال جعفر: سلهما هل أهرقنا دماً بغير حق؟ فاقتصّ منّا. فقال عمرو: لا ولا قطرة. فقال جعفر: سلهما هل أخذنا أموال النّاس بغير حق فعلينا إيفاؤها.
فقال النّجاشي: قل يا عمرو. وإن كان قنطاراً. فعليّ قضاؤه قال: لا ولا قيراط. قال النّجاشي: فما تطلبون منهم؟ قال عمرو: كنّا وهم على دين واحد وأمر واحد على دين آبائنا، وتركوا ذلك الدين واتبعوا غيره. ولزمناه نحن فبعثنا إليك قومهم لتدفعهم إلينا.
فقال النجاشي: ما هذا الدين الذي كنتم عليه والدين الذّي اتبعتموه؟ قال جعفر: أمّا الدين الذي كنّا عليه فتركناه فهو دين الشيطان وأمره. كنّا نكفر باللّه ونعبد الحجارة. وأما الذي تحولنا إليه فدين الإسلام جاءنا به من اللّه رسول وكتاب مثل كتاب ابن مريم موافقاً له.
فقال النجاشي: يا جعفر تكلّمت بأمر عظيم فعلى رسلك. فأمر النجاشي فضرب بالناقوس. فاجتمع إليه كل قسّيس وراهب. فلمّا اجتمعوا عنده قال النّجاشي: أُنشدكم اللّه الذي أنزل الإنجيل على عيسى. هل تجدون بين عيسى وبين يوم القيامة نبيّاً مرسلاً؟ فقالوا: اللهم نعم. قد بشرّنا به عيسى عليه السلام فقال: من آمن به فقد آمن بي ومن كفر به فقد كفر بي. فقال النجاشي لجعفر: هيه: أي هات ماذا يقول لكم هذا الرّجل؟ وما يأمركم به؟ وما ينهاكم عنه؟ فقالوا: يقرأ علينا كتاب اللّه، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويأمر بحسن الجوار، وصلة الرحم، ويأمر للوالدين واليتيم، ويأمر بأن نعبد اللّه وحده لا شريك له. فقال: إقرأ عليّ شيئاً ممّا يقرأ عليكم. فقرأ عليهم سورة العنكبوت والرّوم. ففاضت أعين النّجاشي وأصحابه من الدمع. وقالوا: يا جعفر زدنا من هذا الحديث الطّيب. فقرأ عليهم سورة الكهف. فأراد عمرو أن يغضب النّجاشي. فقال: إنّهم يشتمون عيسى وأُمّه. فقال النّجاشي: ما تقولون في هذا؟ فقرأ جعفر عليهم سورة مريم فلمّا أتى على ذكر مريم وعيسى رفع النّجاشي نفسه من سواكه قدر ما يقذي العين وقال: ما زاد المسيح على ما يقولون.
ثم أقبل على جعفر وأصحابه فقال: إذهبوا فأنتم سيوم بأرضي يقول آمنون مَنْ سبّكم أو آذاكم غرّم، ثم قال: أبشروا ولا تخافوا فلا دهورة اليوم على حزب إبراهيم عليه السلام قال عمرو للنّجاشي: ومن حزب إبراهيم؟ قال: هؤلاء الرّهط وصاحبهم الذّي جاءوا من عنده ومن اتبعه، ولكنّكم أنتم المشركون.
ثم ردّ النّجاشي على عمرو وأصحابه المال الذّي حملوه، وقال: إنّما هديّتكم رشوة إلي. فاقبضوها، ولكنّ اللّه ملّكني ولم يأخذ مني رشوة. قال جعفر: فانصرفنا فكنّا في خير دار، وأكرم بلد وأنزل اللّه ذلك اليوم في خصومتهم على رسوله وهو في المدينة {إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتبعوه}: على مثله.
{وهذا النبي}: يعني محمداً صلى الله عليه وسلم {والذين آمَنُواْ والله وَلِيُّ المؤمنين}.
روى مسروق عن عبد اللّه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «لكلّ نبّي ولاء من النبيّين وإنّ وليّي منهم أبي وخليل ربّي ثم قرأ الآية {إِنَّ أَوْلَى الناس بِإِبْرَاهِيمَ}...». {وَدَّت}: تمّنت.
{طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب...} الآية: نزلت في معاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وعمّار ابن ياسر حين دعاهم اليهود إلى دينهم، قد مضت هذه القصة في سورة البقرة.
{وَدَّت}: تمّنت. {طَّآئِفَةٌ}: جماعة من أهل الكتاب يعني اليهود.
{لَوْ يُضِلُّونَكُمْ}: يزّلونكم عن دينكم ويردّوكم إلى الكفر. وقال ابن جرير: يهلكونكم كقول الأخطل يهجو جرير بن عطية:
كنت القذى في موج أكدرمزبد *** قذف الآتي به فضّل ضلالا
أي هلك هلاكاً.
{وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ}.
{ياأهل الكتاب}: يعني اليهود والنّصارى. {لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ الله}: يعني القرآن وبيان نعت محمد صلى الله عليه وسلم.
{وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ}: إنّ نعته مذكور في التوراة والإنجيل.
{ياأهل الكتاب لِمَ تَلْبِسُونَ}: تخلطون {الحق بالباطل}: الإسلام باليهوديّة والنصرانيّة.
وقال ابن زيد: التوراة التّي أنزل اللّه على موسى بالباطل الذّي غيّرتموه، وحرّفتموه، وضيّعتموه، وكتبتموه بأيديكم. {وَتَكْتُمُونَ الحق وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}: أنّ محمداً رسول اللّه ودينه حقّ.
وقرأ أبو مجلز: تلبّسون بالتشديد. وقرأ حسن بن عمير: تلبسوا وتكتموا بغير نون ولا وجه له.
{وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب آمِنُواْ بالذي أُنْزِلَ عَلَى الذين آمَنُواْ}: الآية.
قال الحسن والسّدي: تواطأ إثنا عشر حبراً من يهود خيبر وقرى عربية، وقال بعضهم لبعض: أُدخلوا دين محمد أول النهار باللسان دون الاعتقاد، واكفروا آخر النهار وقولوا: إنّا نظرنا في كتبنا وشاورنا علماءنا فوجدنا محمداً ليس بذلك، وظهر لنا كذبه وبطلان دينه؛ فإذا فعلتم ذلك شكّ أصحابه في دينهم، وقالوا: إنّهم أهل الكتاب وهم أعلم به منّا فيرجعون عن دينهم إلى دينكم، وقالوا: إنّهم أهل.
وقال مجاهد ومقاتل والكلبي: هذا في تبيان القبلة لما صُرفت إلى الكعبة. فشقّ ذلك على اليهود لمخالفتهم. فقال كعب بن الأشرف لأصحابه: آمنوا بالذّي أُنزل على محمد من أمر الكعبة، وصلّوا إليها أول النّهار ثمّ اكفروا آخر النّهار، وارجعوا إلى قبلتكم الصّخرة لعلّهم يقولون أهل الكتاب هم أعلم منّا فيرجعون إلى قبلتنا، فحذّر اللّه نبيّه مكر هؤلاء وأطلعه على سرّهم. فأنزل: {وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب آمِنُواْ} {وَجْهَ النهار}: أوّله وسّمى الوجه وجهاً لأنّه أحسنه، وأول ما يواجه به الناظر فيرى، ويقال لأول الشيب وجهه.
قال الربيع بن زياد:
من كان مسروراً بمقتل مالك *** فليأتِ نسوتنا بوجه نهار
{واكفروا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ}: يشكّون. {يَرْجِعُونَ}: عن دينهم. {وَلاَ تؤمنوا}: ولا تصّدقوا.
{إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ}: هذا من كلام اليهود أيضاً بعضهم لبعض ولا تؤمنوا ولا تصدّقوا إلا من تبع دينكم أي وافق ملّتكم وصلّى إلى قبلتكم واللام في قوله: {لِمَن}: صلة يعني ولا تؤمنوا إلا من تبع دينكم اليهوديّة كقول اللّه تعالى {قُلْ عسى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الذي تَسْتَعْجِلُونَ} [النمل: 72] {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله أَن يؤتى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ} الآية: اختلف القرّاء والعلماء فيه، فقرأت العامّة: أن يؤتى بالفتح من الألف وقصرها ووجه هذه القراءة إنّ هذا الكلام معترض بين كلامين وهو خبر عن اللّه تعالى أنّ البيان وما يدلّ قوله: {قُلْ إِنَّ الهدى هُدَى الله} متصل بالكلام الأوّل إخباراً عن قول اليهود بعضهم لبعض، ومعنى الآية: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أُؤتيتم من العلم والحكمة والحجّة في المنّ والسلوى، وفلق البحر وغيرها من الفضائل والكرامات.
ولا تؤمنوا أن يُحاجّوكم عند ربّكم لأنّكم أصحّ ديناً منه، وهذا معنى قول مجاهد والأخفش.
وقال ابن جريج وابن زيّات: قالت اليهود لسفلتهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم كراهية أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وأيّ فضل يكون لكم عليهم حيث علموا ما علمتم وحينئذ {يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ}: يقولون عرفتم أنّ ديننا حقّ فلا تصدّقوهم لئلاّ يعلموا مثل ما عُلّمتم ولا يُحاجّوكم عند ربكم، ويجوز أن يكون على هذا القول لا مضمراً كقوله تعالى: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 176] يكون تقديره ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم لئلاّ يؤتى أحد من العلم مثل ما أوتيتم وألا يحاجّوكم عند ربكم.
وقرأ الحسن والأعمش: إن يؤتى بكسر الألف ووجه هذه القراءة إنّ هذا كلّه من قول اللّه بلا اعتراض وأن يكون كلام اليهود تاماً عند قوله: {إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} ومعنى الآية: قل يا محمد إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا أُمّة محمد أو يحاجّوكم، يعني إلا أن يجادلكم اليهود بالباطل فيقولون نحن أفضل منكم وقوله: {عِندَ رَبِّكُمْ} أي عند فضل ربّكم لكم ذلك ويكون (أنّ) على هذا القول بمعنى الجحد والنفي.
وهذا معنى قول سعيد بن جبير والحسن وأبي مالك ومقاتل والكلبي. وقال الفرّاء: ويجوز أن يكون (أو) بمعنى حتّى كما يقال: تعلّق به أو يعطيك حقّك أي حتى يعطيك حقّك.
وقال امرؤ القيس:
فقلت له لا تبك عينك إنّما *** نحاول ملكاً أو نموت فنعذرا
أي حتى نموت.
والمعنى لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، ما أعطى أحداً مثل ما أُعطيتم يا أُمة محمد من الدّين والحجّة حتّى يحاجّوكم عند ربّكم.
وقرأ ابن كثير: أن يؤتى بالمدّ وحينئذ يكون في الكلام إختيار تقديرها: أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم يا معشر اليهود من الكتاب والحكمة تحسدونهم ولا تؤمنون بهم وهذا قول قتادة والربيع.
و إلاّ هذا من قول اللّه عز وجّل: قل لهم يا محمد إنّ الهدى هدى اللّه لما أنزل كتاباً مثل كتابكم وبعث نبيّاً مثل نبيّكم حسدتموه وكفرتم به.
{قُلْ إِنَّ الفضل بِيَدِ الله} الآية.
قال أبو حاتم: إنّ معناه الآن فحذف لام الجزاء استخفافاً وأُبدلت مدّه كقراءة من قرأ: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ} [القلم: 14] أي الآن كان.
وقوله: أو يحاجّوكم على هذه القراءة رجوع إلى خطاب المؤمنين ويكون أو بمعنى أن لأنّهما حرفا شك وجزاء ويوضع أحدهما موضع الآخر وتقدير الآية: وإن يحاجّوكم يا معشر المؤمنين عند ربّكم فقل يا محمد: إنّ الهدى هدى اللّه ونحن عليه.
ويحتمل أن يكون الجميع خطاباً للمؤمنين ويكون نظم الآية: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم يا معشر المؤمنين فلا تشكّو عند تلبيس اليهود فقل إنّ الفضل بيد اللّه.
وإن حاجّوكم فقل إنّ الهدى هدى اللّه.
فهذه وجوه الآيات باختلاف القرآن. ويحتمل أن يكون تمام الخبر عن اليهود عند قوله: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} فيكون قوله: {وَلاَ تؤمنوا إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ} إلى آخر الآية من كلام اللّه عزّ وجّل. وذلك إنّ اللّه تعالى مثبّتٌ لقلوب المؤمنين ومشحذٌ لبصائرهم لئلاّ يشكّوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم في دينهم أي: ولا تصدّقوا يا معشر المؤمنين إلا لمن تبع دينكم ولا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين والفضل، ولا تصدّقوا أن يحاجّوكم في دينكم عند ربّكم فيقدرون على ذلك فإنّ الهدى هدى اللّه وأنّ الفضل بيد اللّه.
{يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ والله وَاسِعٌ عَلِيمٌ}: فتكون الآية كلّها خطاب اللّه عز وجّل للمؤمنين عند تلبيس اليهود عليهم لئلاّ يزلّوا ولا يرتابوا واللّه أعلم. يدل عليه قول الضحّاك قال: إنّ اليهود قالوا: إنّا نحاجّ عند ربنا من خالفنا في ديننا فبيّن اللّه تعالى أنّهم هم المدحضون أي المغلوبون، وإنّ المؤمنين هم الغالبون.
وقال أهل الإشارة في هذه الآية: لا تعاشروا إلا من يوافقكم على أحوالكم وطريقتكم فإنّ من لا يوافقكم لا يرافقكم.
{يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ}: بنبوّته ودينه ونعمته.
{مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم}: وقال أبو حيّان: إجمال القول يبقى مع رجاء الرّاجي وخوف الخائف.


{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76) إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}
{وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}: الآية: قال أكثر المفسّرين: نزلت هذه الآية في اليهود كلّهم، أخبر اللّه تعالى إنّ فيهم أمانة وخيانة. والقنطار عبارة عن المال الكثير، والدينار عبارة عن المال القليل.
فإن قيل: فأيّ فائدة في هذه الأخبار وقد علمنا أنّ النّاس كلّهم لم يزالوا كذلك منهم الأمين ومنهم الخائن. قلنا: تحذير من اللّه تعالى للمؤمنين أن يأتمونهم على أموالهم أو يغترّوا بهم لاستحلالهم أموال المؤمنين. وهذا كما روي في الخبر: أتراعون عن ذكر الفاجر؟ اذكروه بما فيه كي يحذره النّاس.
وقال بعضهم: الأمانة راجعة إلى من أسلم منهم، والخيانة راجعة إلى من لم يسلم منهم.
وقال مقاتل: {وَمِنْ أَهْلِ الكتاب مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}: عبد اللّه بن سلام أودعه رجل ألفاً ومائتي أوقية من الذّهب فأدّاه إليه فمدحه اللّه.
{وَمِنْهُمْ مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ}: في مخاض بن عازورا وذلك أنّ رجلاً من قريش استودعه ديناراً فخانه.
وفي بعض التفاسير: إنّ الذّي يؤدّي الأمانة في هذه الآية هم النصارى، والذين لا يؤدّونه هم اليهود.
وفي قوله: {تأمنه}: قراءتان.
قرأ الأشهب العقيلي: تِيمنهُ بكسر التاء وهي لغة بكر وتميم، وفي حرف ابن مسعود مالك لا تيمنّا.
وقراءة العامّة تأمنه بالالف. والدينار أصله دنّار فعوّض من إحدى النّونين ياء طلباً للخفّة لكثرة استعماله، يدلّ عليه أنّك تجمعه دنانير.
وفي قوله: {يؤدّه} وأخواته خمس قراءات.
فقرأها كلّها أبو عمرو والأعمش وعاصم وحمزة: ساكنة الهاء.
وقرأ أبو جعفر ويعقوب: مختلسة مكسورة. وقرأ سلام: مضمومة مختلسة. وقرأ الزهري: مضمومة مشبعة.
وقرأ الآخرون: مكسورة مشبعة فمّن سكّن الهاء فإنّ كثيراً من النحاة خطّئوه، لأن الجزم ليس في الهاء إذا تحرك ما قبلها والهاء اسم المكنّى والأسماء لا تجزم.
قال الفرّاء: هذا مذهب بعض العرب يجزمون الهاء إذا تحرّك ما قبلها فيقول: ضربته ضرباً شديداً، كما يسكّنون ميم أنتم وقمتم وأصلها الرفع.
وأنشد:
لمّا رأى أن لا دعه ولا شبع *** مال إلى أرطأة حقف فاضطجع
وقال بعضهم: إنّما جاز إسكان الهاء في هذه المواضع لأنّها وضعت في موضع الجزم وهو الياء الذاهب، ومن اختلس فإنّه اكتفى بالضمّة عن الواو وبالكسر عن الياء وأنشد الفرّاء:
أنا ابن كلاب وابن أوس *** فمن يكن قناعه مغطيّا فإنّي لمجتلى
وأنشد سيبويه:
فإن يكن غثّاً أو سميناًفإنّه *** سيجعل عينيه لنفسه مغمضاً
ومن أشبع الهاء فعلى الأصل لما كان الحرف ضعيفاً قوي بالواو في الضم وبالياء في الكسر.
قال سيبويه: يجيء بعد هاء المذّكر واو كما يجيء بعد هاء المؤنّث ألف. ومن ضمّ الهاء فعلى الأصل؛ لأنّ أصل الهاء الضمّة مثل هو، وهُما وهُم، ومن كسر فقال؛ لأنّ قبله ياء وإن كان محذوفاً فلأنّ ما قبلها مكسور.
{إلا ما دُمتَ عليه قائماًَ}: قرأ يحيى وثابت والأعمش وطلحة بكسر الدّال، والباقون بالضّم.
من ضمّ فهو من دام يدوم، ومن لغة العالية. ومن كسر فله وجهان، قال بعضهم: هو أيضاً من دام يدوم إلا أنّه على وزن فعل يفعل، يقول دمت تدوم مثل مت تموت، قاله الأخفش. وليس في الأفعال الثلاثيّة فعِل يفعِلُ بكسر العين في الماضي وضمّها في الغابر من الصحيح الآخر فإنّ فضِل يفضُل، ونعِم ينعُم، ومن المعتّل متُّ أموتُ ودمتُ أدوم وهما لغة تميم.
قال أكثر العلماء: من كرام يدام فعِل يفعل مثل خاف يخاف، وهاب يهاب.
{قَآئِماً}: قال ابن عبّاس: مُلحاً.
مجاهد: مواظباً. سعيد بن جبير: مرابطاً. قتادة: قائماً تقتضيه. السّدي: قائماً على رأسه.
العتيبي: مواظباً بالإقتضاء وأصله إنّ المطالب للشيء يقوم فيه والتّارك له يقعد عنه، ودلالة قوله: أُمّة قائمة أي: عاملة بأمر اللّه غير تاركة.
أبو روق: يعترف بما دفعت إليه ما دمت قائماً على رأسه، فإن سألته إيّاه في الوقت حينما تدفعه إليه يردّه عليك وإن أنظرته وأخّرته أنكر وذهب به وذلك الاستحلال والخيانة.
{بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين}: أي في حال العرب. نظيره {هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ} [الجمعة: 2]
{سَبِيلٌ}: إثم وحرج دليله قوله: {مَا عَلَى المحسنين مِن سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وذلك؛ إنّ اليهود قالوا لا حرج علينا في حبس أموال العرب قد أحلّها اللّه لنا؛ لأنّهم ليسوا على ديننا، وكانوا يستحلّون ظلم من خالفهم في دينهم يقولون لم يجعل اللّه لهم في كتابنا حرمة.
الكلبي: قالت اليهود إنّ الأموال كلّها كانت لنا فما كانت في أيدي العرب منها فهو لنا وإنّما ظلمونا وغصبونا ظلماً فلا سبيل علينا في أخذنا إيّاه منهم.
الحسن وابن جريج ومقاتل: بايع اليهود رجالاً من المسلمين في الجاهلية فلمّا أسلموا تقاضوهم بقيمة أموالهم فقالوا: ليس لكم علينا حقّ ولا عندنا قضاء لكّم تركتم الدّين الذي كنتم عليه وانقطع العهد بيننا وبينكم، وادّعوا إنّهم وجدوا ذلك في كتابهم فكّذّبهم اللّه تعالى فقال: {وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.
وفي الحديث: لما نزلت الآية قال النبّي صلى الله عليه وسلم: «كذب أعداء الله ما من شيء كان في الجاهلية إلا وهو تحت قدمي إلا الأمانة فإنّها موفاة إلى البرّ والفاجر».
وروى أبو إسحاق الهمداني عن صعصعة: إنّ رجلاً سأل ابن عباس فقال: إنّا نصيب في الغزو من أموال أهل المدينة الدّجاجة أو الشاة قال ابن عبّاس: ويقولون ماذا؛ قال: يقولون: ليس علينا بأس. قال: هذا كما قال أهل الكتاب {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأميين سَبِيلٌ} [آل عمران: 75] إنهم إذا أدّوا الجزية لم يحلّ لكم أموالهم إلا بطيب أنفسهم ثمّ قال اللّه تعالى ردّاً عليهم: {بلى}: أي ليس كما قالوا ولكن {مَنْ أوفى بِعَهْدِهِ}: الذي عاهد اللّه في التوراة من الإيمان بمحمّد والقرآن وأداء الأمانة.
والهاء في قوله: {بِعَهْدِهِ} راجعة إلى اللّه عزّ وجّل قد جرى ذكره في قوله: {وَيَقُولُونَ عَلَى الله الكذب}. ويجوز أن تكون عائدة إلى {أوفى}.
{وَاتَّقَى}: من الكفر والخيانة ونقض العهد.
{فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ}: من هذه صفته.
وعن الحسن: قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة من كنّ فيه فهو منافق وإن صلّى وصام وزعم أنّه مؤمن، إذا حدّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمِن خان».
وعن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من ائتمن على أمانة فأدّاها ولو شاء لم يؤدّها زوجّه الله من الحور العين ما شاء».
الحسن عن أبي سعيد الخدري عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «التّاجر الصّدوق الأمين مع النبييّن والصدّيقين والشهداء».
وهب عن حذيفة قال: حدّثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حديثين رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر، حدّثنا: «إنّ الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجّال، ونزل القرآن فتعلّموا من القرآن وتعلّموا من أصل السّنة».
ثم حدّثنا عن رفعهما فقال: «ينام الرّجل النومة فينزع الأمانة من قلبه فيظل أثرها كأثر المجل كجمر دحرجته على رجلك فتراه منتثراً وليس فيه شيء» ثم أخذ حذيفة حصاة فدحرجها على ساقه قال: فيصبح النّاس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتّى يقال له: فلان رجلا أميناً، وحتّى يقال للرّجل: ما أجلده، ما أعقله، وأظرفه وما في قلبه مثقال حبّة خردل من إيمان. ولقد أتى عليّ حين ولا أبالي أيّكم بايعت لئن كان مسلماً ليردّن على إسلامه ولئن كان يهودياً أو نصرانياً ليردّنّ على ساعيه فأنا اليوم فما كنت لأبايع رجلاً منكم إلاّ فلاناً وفلاناً.
وقيل: أكمل الدّيانة ترك الخيانة، وأعظم الجناية خيانة النّاس.
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}: اختلفوا في نزول هذه الآية:
فقال عكرمة: نزلت في أبي رافع وكنانة بن أبي الحقيق وحيي بن أخطب وغيرهم من رؤوس اليهود كتبوا ما عهد اللّه إليهم في التوراة في شأن محمّد صلى الله عليه وسلم وبدّلوه وكتبوا بأيديهم غيره، وحلفوا إنّه من عند اللّه لئلا يفوتهم الرّشى والمأكل التي كانت لهم على أتباعهم.
وقال الكلبي: إنّ ناساً من علماء اليهود أولي فاقة كانوا ذوي حظ من علم التوراة فأصابهم سِنَة. فأتوا كعب بن الأشرف يستميرونه فسألهم كعب: هل تعلمون أنّ هذا الرجّل رسول اللّه في كتابكم؟ فقالوا: نعم، وما تعلمه أنت؟ قال: لا.
قالوا: فإنّا نشهد إنّه عبد اللّه ورسوله، قال كعب: قد كذبتم عليّ فأنا أريد أن أميركم وأكسوكم فحرمكم اللّه خيراً كثيراً.
قالوا: فإنّه شبّه لنا. فرويداً حتى نلقاه. قال: فانطلقوا فكتبوا صفة سوى صفته، ثم أتوا نبي اللّه صلى الله عليه وسلم فكتموه ثم رجعوا إلى كعب، فقالوا: قد كنّا نرى رسول اللّه فأتيناه، فإذا هو ليس بالنعت الذّي نُعت لنا وأخرجوا الّذي كتبوه. ففرح بذلك كعب، ومكرهم فأنزل اللّه عزّ وجّل هذه الآية، نظيرها قوله: {إِنَّ الذين يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ الله مِنَ الكتاب وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} [البقرة: 174] الآية.
وروى منصور بن أبي وائل قال: قال عبد اللّه: من حلف على عين يستحقّ بها مالاً وهو فيها فاجر لقي اللّه عزّ وجّل وهو عليه غضبان. فأنزل اللّه تعالى تصديق ذلك {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} الآية.
وقال الأشعث بن قيس: فيّ نزلت، وكانت بيني وبين رجل خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقال: «شاهداك أو يمينه». فقلت: إنّه إذاً يحلف ولا يبالي. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من حلف على عين يستحقّ بها مالاً هو فيها فاجر لقي الله تعالى وهو عليه غضبان» فأنزل اللّه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ...} الآية.
وقال ابن جريج:إنّ الأشعث بن قيس اختصم هو ورجل إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في أرض كانت في يده لذلك ليعزّره في الجاهلية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقم بيّنتك؟». قال الرجل: ليس يشهد لي على الأشعث بن قيس أحد. قال: «لك يمينه». فقام الأشعث وقال: أُشهد اللّه وأُشهدكم أنّ خصمي صادق. فرّدَّ إليه أرضه وزاده من أرض نفسه زيادة كثيرة مخافة أن يبقى في يده شيء من حقّه فهو لعقب ذلك الرجل من بعده.
وروى بادان عن ابن عباس قال: نزلت في امرئ القيس بن عابس الكندي استعدى عليه عبدان بن أشرع فقضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بالحلف، فلمّا همّ أن يحلف نزلت هذه الآية. فامتنع امرئ القيس أن يحلف وأقرّ لعبدان بحقّه ودفعه إليه. فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لك عليها الجنّة.
وقال مجاهد والشعبي: أقام رجلاً سلعته أوّل النّهار فلمّا كان آخره جاء رجل فساومه فحلف لقد منعها أوّل النّهار من كذا ولولا المساء لما باعها به. فأنزل اللّه تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ الله}: أي يستبدلون بعهد اللّه وإيفاء الأمانة {وَأَيْمَانِهِمْ} الكاذبة {ثَمَناً قَلِيلاً}.
{أولئك لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخرة}: ونعيمها وثوابها ولا يكلمهم اللّه كلاماً ينفعهم ويسرّهم. قاله المفسرون، وقال المفضل: {وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ الله}: بقبول حجّة يحتجّون بها.
{وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ القيامة}: أي لا يرحمهم ولا يعطف عليهم ولا يحسن إليهم ولا يكلمهم خيراً. يُقال نظر فلان لفلان، ونظر إليه إذا رحمه وأحسن إليه.
قال الشاعر:
فقلت انظري ما أحسن النّاس كلّهم *** لبني غلّة صدبان قد شفّهُ الوجد
وعن أبي عمرو الجوني قال: ما نظر اللّه إلى شيء إلا رحمه؛ ولو قضى أن ينظر إلى أهل النّار لرحمهم، ولكن قضى أن لا ينظر إليهم.
روى عبد اللّه بن كعب عن أبي أمامة الخازني: إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النّار وحرّم عليه الجنّة»، فقال رجل وإن كان شيئاً يسيراً قال: «وإن كان قضيباً من أراك».
وروى محمد بن زيد القرشي عن عبد اللّه بن أبي أمامة الخازني عن عبد اللّه بن أنس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «أكبر الكبائر الإشراك بالله وعقوق الوالدين واليمين الغموس. والذي نفسي بيده لا يحلف أحد وإن كان على مثل جناح بعوضة إلا كانت وكنة في قلبه إلى يوم القيامة».
{وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}:
رجل على فضل ما بالطريق فمنع ابن السّبيل، ورجل بايع رجلاً لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه ما يريد وفى له وإلاّ لم يفِ لهُ، ورجل يساوم سلعته بعد العصر. فحلف باللّه لقد أعطي بها كذا وكذا فصدّقه الآخر وأخذها. وروى الحارث الأعور عن علي عليه السلام قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم واليمين الفاجرة. فإنّها تدع الدّيار بلاقع من أهلها».
وروى معمّر في رجل من بني تميم عن أبي الأسود قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «اليمين الفاجرة تعقم الرحم».
العلاء بن عبد الرّحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «اليمين الفاجرة منفقة للسلعة ممحقة للكسب».
{وَإِنَّ مِنْهُمْ}: يعني من أهل الكتاب الذين تقدّم ذكرهم وهم اليهود. {لَفَرِيقاً}: طائفة وهم: كعب بن الأشرف، ومالك بن الصّف، وحيي بن الأخطب، وأبو ياسر وحيي وسبعة بن عمرو الشاعر.
{يلوون}: قرأ أهل المدينة {يلوون} مضمومة الياء مفتوحة اللام مشدّدة الواو على التكثير.
وقرأ حميد: {يلون} بواو واحدة على نية الهمز، ثم ترك الهمزة ونقل حركتها إلى اللام. وقرأ الباقون بواوين ولام ساكنة مخففة ومعناها جميعاً يعطفون {ألسنتهم}: بالتحريف المتعنّت وهو ما غيّروا من صفة محمد صلى الله عليه وسلم وآية الرّجم. يقال: لوى لسانه عن كذا أي غيّره، ولوى الشيء عمّا كان عليه إذا غيّره إلى غيره، ولوى فلاناً عن رأيه، إذا أماله عنه، ومنه: ليُّ الغريم، قال النابغة الجعدي:
لوى اللّه علم الغيب عم سواءه *** ويعلم منه ما مضى وتأخرا
ونظيره قوله: {وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ...} [النساء: 135] الآية.
{لِتَحْسَبُوهُ}: لتظنّوا ما حرّفوا {مِنَ الكتاب}: الذي أنزله اللّه. {وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله وَيَقُولُونَ عَلَى الله الكذب وَهُمْ يَعْلَمُونَ}: إنّهم كاذبون.
وروى جويبر عن الضحّاك عن ابن عباس: إنّ الآية نزلت في اليهود والنّصارى جميعاً والذين هم حرّفوا التوراة والإنجيل، وضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض وألحقوا به ما ليس منه فأسقطوا منه الدين الحنفي، فبيّن اللّه تعالى كذبهم للمؤمنين.
{مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب والحكم والنبوة} الآية.
قال الضحّاك ومقاتل: ما كان لبشر يعني عيسى عليه السلام {أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب} يؤتى الحكمة. نزلت في نصارى أهل نجران.
وقال ابن عباس وعطاء: ما كان لبشر يعني محمداً صلى الله عليه وسلم أن يؤتيه اللّه الكتاب: يعني القرآن؛ وذلك أنّ أبا رافع القرظي من اليهود والرئيس من نصارى أهل نجران قالا: يا محمد أتريد أن نعبدك ونتخذك رباً؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «معاذ الله أن نعبد غير الله أو نأمر بعبادة غير الله ما بذلك بعثني ولا بذلك أمرني» فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.
وقال الحسن: بلغني أنّ رجلاً قال: يا رسول اللّه نسلّم عليك كما يسلّم بعضنا على بعض، أفلا نسجد لك؟ قال: «لا ينبغي أن يسجد لأحد من دون الله، ولكن أكرموا نبيّكم واعرفوا الحق لأهله» فأنزل اللّه {مَا كَانَ لِبَشَرٍ}: يعني ما ينبغي لبشر، كقوله: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً} [النساء: 92] وكقوله: {مَّا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّتَكَلَّمَ بهذا} [النور: 16]: يعني ما ينبغي.
وقال أهل المعاني: هذه اللام منقولة وأن بمعنى اللام، وتقدير الآية: ما كان لبشر ليقول ذلك نظير قوله: {مَا كَانَ للَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ} [مريم: 35] أي ما كان الله ليتخذ ولداً وقوله: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران: 161] أي ما كان لنبىّ ليغلّ. والبشر جميع بني آدم لا واحد من لفظه: كالقوم والجيش، ويوضع موضع الواحد والجمع.
{أَن يُؤْتِيهُ الله الكتاب والحكم والنبوة}: يعني الفهم والعلم، وقيل أيضاً الأحكام عن اللّه تعالى، نظير قوله تعالى: {أولئك الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب والحكم والنبوة} [الأنعام: 89].
{ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ}: نصب على العطف، وروى محبوب عن أبي عمرو: ثُمّ يقولُ بالرفع على الإستئناف.
{كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ الله}: قال ابن عباس: هذه لغة مُزينة تقول للعبيد عباد.
{ولكن كُونُواْ}: أي ولكن يقول كونوا، فحذف القول.
{رَبَّانِيِّينَ}: إختلفوا فيه: فقال عليّ وابن عباس والحسن والضحّاك: كونوا فقهاء علماء.
مجاهد: فقهاء وهم دون الأحبار. أبو رزين وقتادة والسّدّي: حكماء علماء، وهي رواية عطية عن ابن عباس.
وروى سعيد بن جبير عنه: فقهاء معلّمين.
وقال مرّة بن شرحبيل: كان علقمة من الرّبانييّن الذين يعلّمون النّاس القرآن.
وروى الفضل بن عياض عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير: حكماء أتقياء.
ابن زيد: ولاة النّاس، وقادتهم بعضهم متعبدين مخلصين.
عطاء: علماء حكماء نصباء للّه في خلقه. أبو عبيد: لم يعرف العرب الرّبانييّن.
أبو عبيد: سمعتُ رجلاً عالماً يقول: الرّباني: العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي. العارف بأنباء الأمّة وما كان وما يكون.
المؤرّخ: كونوا ربّانييّن تدينون لرّبكم، كأنّه فعلاني من الربوبية.
وقال بعضهم: كان في الأصل ربّي، فأدخلت الألف للتضخيم وهو لسان السريّانية، ثم أدخلت النون لسكون الألف كما قيل: صنعاني وبحراني وداراني.
المبرّد: الرّبانيوّن: أرباب العلم واحدها ربّان وهو الذي يرث العلم ويربّب النّاس أي يعلّمهم ويصلحهم فيقوم بأمرهم، والألف والنون للمبالغة. كما قالوا: ريّان وعطشان وشبعان وغوثان ونعسان من النّعاس ووسنان ثم ضُمّ إليه ياء النسبة كما قيل. وقال الشاعر:
لو كنت مرتهناً في الحقّ أنزلني *** منه الحديث وربّاني أحباري
وقد جمع علي رضي الله عنه هذه الأقاويل أجمع فقال: هو الّذي يُربى علمه بعمله.
وقال محمد بن الحنفية يوم مات ابن عباس: مات ربّاني هذه الأمّة.
{بِمَا كُنتُمْ}: معناه الوجوب أي: بما أنتم. كقوله: {وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} [مريم: 5]: أي وامرأتي، وقوله: {مَن كَانَ فِي المهد صَبِيّاً} [مريم: 29] أي من هو في المهد صبيّاً.
{تعلّمون الكتاب}: قرأ السلمي والنخعي وابن جبير والضحّاك وأهل الكوفة: تعلّمون بالتشديد من التعليم، واختاره أبو عبيدة، وقرأ الباقون تعلمون بالتخفيف من العلم، واختاره أبو حاتم، وقال أبو عمرو: وتصديقها {وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} فلم يقل يدرسون وقرأ الحسن تعلّمون، التاء والعين وتشديد اللام على معنى تعلمون، وقرأ أبو عبيدة: تدرسون من أدرسَ يُدرس. وقرأ سعيد بن جبير: تدرّسون من التدريس. الباقون: يدرسون من الدرس أي يقرأون، نظيره في سورة الأعراف {وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ} [الآية: 169]. جويبر عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «ما من مؤمن ذكر ولا أُنثى حرَ ولا عبد مملوك إلاّ وللّه عزّ وجّل عليه حقّ واجب أن يتعلّم من القرآن ويتفقّه فيه، ثم تلا هذه الآية {ولكن كونوا ربّانيين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}».
{وَلاَ يَأْمُرَكُمْ}: قرأ الحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وحمزة: {وَيَأْمُرَكُمْ} بالنصب عطفاً على قوله: {ثُمَّ يَقُولَ}.
وقيل: على إضمار أنّ وهو على هذه القراءة مردود على البشر. وقرأ الباقون بالرفع على الإستئناف والإنقطاع من الكلام الأوّل، يدلّ عليه قراءة عبد اللّه وطلحة {ولن يأمركم} ثمّ اختلفوا فيه، فقرأ الأكثر على معناه {ولا يأمركم الله}. وقال ابن جريج: ولا يأمركم محمد عليه الصّلاة والسّلام، وقيل: ولا يأمركم البشر.
{أَن تَتَّخِذُواْ الملائكة والنبيين أَرْبَاباً}: كقول قريش وبني مليح حيث قالوا: الملائكة بنات اللّه، واليهود والنّصارى حيث قالوا في المسيح وعُزير ما قالوا.
{أَيَأْمُرُكُم بالكفر بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ}: على ظهر التعجّب والإنكار، يعني: لا يفعل هذا.
{وَإِذْ أَخَذَ الله مِيثَاقَ النبيين لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}، قرأ سعيد بن جبير {لَّمًّا} بتشديد الميم، وقرأ يحيى بن رئاب والأعمش وحمزة والكسائي بجرّ اللام وتخفيف الميم.
وأما الباقون: بفتح اللام وتخفيف الميم، فمن فتح اللام وخفّف الميم فقال الأخفش: هي لام الابتداء أدخلت على ما الخبر كقول القائل: لزيد أفضل منك، وما آتيتكم والذي بعده صلة له وجوابه في قوله: {لَتُؤْمِنُنَّ بِهِِ} فإن شئت جعلت خبر ما من كتاب الله وتقول من زائدة معناها: لما آتيتكم كتاب وحكمة، ثم ابتدأ فقال: {ثم} يعني: ثم يجيئكم، وإن شئت قلت: ثم أن جاءكم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتؤمنن به.
{وَلَتَنصُرُنَّهُ}: اللام لام القسم تقديره: والله لتؤمننّ به. فأكدّ في أول الكلام بلام التأكيد، وفي آخر الكلام بلام القسم.
وقال الفرّاء: من فتح اللام جعلها لاماً زائدة لقوله: اليمين إذا وقعت على جملة صيّرت فعل ذلك الجزاء على هيئة فعل، وصيّرت جوابه كجواب اليمين، والمعنى: أي كتاب آتيتكم ثم جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به، للاّم في قوله لتؤمننّ به.
وقال المبرّد والزجّاج: هذه لام التحقيق دخلت على ما الجزاء كما تدخل على أن، ومعناه: مهما آتيتكم من كتاب وحكمة، ثمّ جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به، اللام في قوله لتؤمننّ به جواب الجزاء كقوله: {وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ} [الإسراء: 86] ونحوه.
وقال الكسائي: لتؤمننّ: متصل بالكلام الأول وجواب الجزاء في قوله: {فَمَنْ تولى بَعْدَ ذلك}، ومن كسر اللام فهي لام الإضافة دخلت على ما الذي، ومعناه: الذي آتيتكم يعني: أخذ ميثاق النبيين لأجل الذي أمامهم من كتاب وحكمة ثم أن جاءكم رسول مصدّق لما معكم لتؤمننّ به من بعد الميثاق؛ لأن أخذ الميثاق بمنزلة الاستحلاف، وهو كما نقول في الكلام أخذت ميثاقك لتفعلن كذا وكذا كأنك قلت: استحلفتك لتفعلن.
وقال صاحب النظم: من كسر اللام فهو بمعنى بعد يعني: بعد ما آتيتكم من كتاب وحكمة، كقول النابغة:
توهّمت آيات لها فعرفتها *** لستة أعوام وذا العام سابع
أي: بعد ستة أعوام، ومن شدد الميم فمعناه: حين آتيتكم لقوله تعالى: {آتَيْتُكُم}.
قرأ أهل الكوفة: آتيناكم على التعظيم، وقرأ الآخرون: آتيتكم على التفريد، وهو الاختيار لموافقة الخط كقوله: {وَأَنَاْ مَعَكُمْ} [آل عمران: 81] والقول مثمر في الآية على الأوجه الثلاثة تقديرها: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين}.
واختلف المفسّرون في معنى هذه الآية، فقال قوم: إنّما أخذ الميثاق على الأنبياء أن يصدق بعضهم بعضاً، ويأمر بعضهم بالإيمان ببعض، فذلك معنى آخر بالتصديق، وهذا قول سعيد بن جبير وطاووس وقتادة والحسن والسدّي، يدل عليه ظاهر الآية، وقال علي رضي الله عنه: لم يبعث الله نبياً آدم ومن بعده إلاّ أخذ عليه العهد في محمد صلى الله عليه وسلم وأمره بأخذ العهد على قومه لتؤمنن به ولئن بعث وهم أحياء لينصرنّه، وقال آخرون: إنّما أخذ الميثاق على أهل الكتاب الذين أرسل منهم النبيين، وهو قول مجاهد والربيع.
قال مجاهد: هذا خلط من الكتاب وهو من قراءة عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أُوتوا الكتاب، قالوا: ألا ترى إلى قوله ثم {جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ} وإنّما كان محمد صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى أهل الكتاب دون النبيين.
وقال بعضهم: إنّما أخذ الميثاق على النبيين وأُممهم ليؤمنن به، ففرد الأنبياء عن ذكر الأمم لأن في أخذ الميثاق على المتبوع دلالة على أخذه على الأتباع، وهذا معنى قول ابن عباس وهذا أولى بالصواب.
قال الله: {أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ على ذلكم إِصْرِي} أي وقبلتم على ذلك عهدي، نظير قوله تعالى: {إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ} [المائدة: 41] أي فاقبلوه، وقوله تعالى: {وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} [البقرة: 48] أي لا يقبل منها فداء، وقوله: {وَيَأْخُذُ الصدقات} [التوبة: 104] أي يقبلها، {قالوا أَقْرَرْنَا}.
قال الله: {فاشهدوا} على أنفسكم وعلى أتباعكم {وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ الشاهدين} عليكم وعليهم.
قال ابن عباس: فاشهدوا: يعني فاعلموا، قال الزجّاج: فاشهدوا أي فبيّنوا لأن الشاهد هو الذي عين دعوى المدّعي، وشهادة الله للنبيين بيّنوا أمر نبوتهم بالآيات والمعجزات، وقال سعيد بن المسيب: قال الله تعالى للملائكة: فاشهدوا عليهم، فتكون كناية عن غير مذكور.
{فَمَنْ تولى بَعْدَ ذلك} الإقرار والإشهاد {فأولئك هُمُ الفاسقون} العاصون، الخارجون عن الإيمان.
{أَفَغَيْرَ دِينِ الله يَبْغُونَ} الآية.
قال ابن عباس: اختصم أهل الكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اختلفوا بينهم من دين إبراهيم عليه السلام كل فرقة زعمت أنّه أولى بدينه، قال النبي صلى الله عليه وسلم كلا الفريقين بريء من دين إبراهيم، فغضبوا وقالوا: والله ما نرضى بقضائك ولا نأخذ بدينك، فأنزل الله {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ} وهو قراءة الحسن وحميد ويعقوب وسلام وسهل وصفوان بالياء لقوله: {أُولَاكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}، وقرأ أبو عمرو: يبغون بالياء وترجعون بالتاء، قال: لأن الأول خاص والثاني عام؛ ففرّق بينهما لافتراقهما في المعنى، وقرأ الباقون: بالتاء فيهما على الخطاب لقوله: {لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}.
{وَلَهُ أَسْلَمَ} خضع وانقاد من في السماوات والأرض {طَوْعاً} والطوع الانقياد والاتباع بسهولة من قولهم: فرسٌ طوع العنان، أي منقاد {وَكَرْهاً} والكره: ما كان بمشقة وإباء من النفس، كرهاً بضم الكاف وهما مصدران وضعا موضع الحال، كأنّه قال: وله أسلم من في السماوات والأرض طائعين وكارهين، واختلفوا في قوله طوعاً وكرهاً، فروى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} قال: «الملائكة أطاعوه في السماء، والأنصار وعبد القيس أطاعوه في الأرض».
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبّوا أصحابي فإنّ أصحابي أسلموا من خوف الله، وأسلم الناس من خوف السيف».
وقال الحسن والمفضّل: الطوع لأهل السماوات خاصة، وأهل الأرض منهم من أسلم طوعاً ومنهم من أسلم كرهاً.
ابن عباس: عبادتهم لله أجمعين طوعاً وكرهاً وانقياداً له.
الربيع عن أبي العالية في قول الله تعالى: {وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً} قال: كل بني آدم أقرّ على نفسه أنّ الله ربّي وأنا عبده، فهذا الإسلام لو استقام عليه، فلمّا تكلّم به صار حجة عليه، ثم أشرك في عبادته فهذا الذي أسلم كرهاً، ومنهم من شهد أنّ الله ربّي وأنا عبده، ثم أخلص العبودية فهذا الذي أسلم طوعاً، وقال الضحّاك: هذا حين أخذ منه الميثاق وأقرّ به.
مجاهد: طوعاً: ظل المؤمن وكرهاً: ظل الكافر، يدلّ عليه قوله: {وَللَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السماوات والأرض طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُم بالغدو والآصال}، [الرعد: 15] وقوله: {يَتَفَيَّؤُاْ ظِلاَلُهُ عَنِ اليمين والشمآئل سُجَّداً لِلَّهِ} [النحل: 48].
الشعبي: هو استعاذتهم به عند اضطرارهم، يدلّ عليه قوله تعالى: {فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الفلك دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [العنكبوت: 65].
قتادة: المؤمن أسلم طائعاً والكافر كارهاً؛ فإما المؤمن فأسلم طائعاً فنفعه ذلك وقبل منه، وأما الكافر فأسلم كارهاً في وقت البأس والمعاينة حتى لا يقبل منه ولا ينفعه، يدل عليه قوله: {فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا} [غافر: 85].
الكلبي: طوعاً: الذين ولدوا في الإسلام، وكرهاً: الذين أجبروا على الإسلام.
عكرمة: وكرهاً: من اضطرته الحجة إلى التوحيد، يدلّ عليه قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله} [الزخرف: 87]، وقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله} [العنكبوت: 61].
ابن كيسان: وله أسلم أي خضع من في السماوات والأرض فيما صيّرهم عليه وصوّرهم فيه وما يحدث فهم لا يمتنعون عليه، كرهوا ذلك أو أحبوه.
{وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} [آل عمران: 83] الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال: إذا استصعبت دابة أحدكم أو كانت شموساً فليقرأ في أذنها هذه الآية.
{قُلْ آمَنَّا بالله} إلى قوله: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً} الآية نزلت في اثني عشر رجلا ارتدّوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة ولحقوا بمكة كفاراً منهم: الحرث بن سويد الأنصاري أخو الحلاس بن سويد، وطعمة بن أشرف الأنصاري، ومقيس بن صبابة الليثي، وعبد الله بن أنس بن خطل من بني تميم بن مرة، ووجوج بن الأسلت، وأبو عاصم بن النعمان، فأنزل الله فيهم: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الخاسرين}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7